المحور الاول الشخص والهوية
لا يمكن الحديث عن الشخص إلا بوصفه ذاتا واعية ومفكرة وحرة، وبوصفه ذاتا قادرة على التمييز بين الخير والشر، وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها وقراراتها، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على المستوى الأخلاقي. لكن الحديث عن تلك الذات وما يميزها ويجعلها متفردة، لا يستقيم إلا بالحديث عن هوية، أي عن تطابق الذات مع ذاتها واختلافها عن غيرها. وهنا يكون الشخص ذا هوية تجعله هو نفسه، أو لنقل تجعله هو نفس الشخص، رغم اختلاف وتعدد الوضعيات والأزمنة والأمكنة. وهنا نكون أمام إشكال فلسفي مرتبط بهوية الشخص، والذي يمكن أن نصوغه صياغة استفهامية كالآتي : ما أساس هوية الشخص ؟ وما الذي يجعله هو نفسه رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة والوضعيات ؟ هل ما يجعله نفس الشخص، هوهو، هو مادة جسمه وصورته أم أن هذا الأخير لا يكفي لتحديد أساس هوية الشخص ؟ وإذا لم يكن هو الجسم، فهل هو التفكير أم الشعور أم هو الإرادة ؟
موقف جون لوك
إن ما يجعل الشخص مطابقا لذاته حسب "جون لوك" رغم تغيرات الزمان والمكان هو الشعور المقترن بالذاكرة. والذي لا يقبل الانفصال عن الفكر على نحو دائم وهو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هوهو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر، و لا يشمل الحاضر فقط، بل يمتد بفضل الذاكرة ليشمل الأحداث الماضية
من هو جون لوك ؟
جون لوك هو فيلسوف إنجليزي (1632-1704م) بارز ينتمي الى رواد التيار العلمي التجريبي في عصرالتنوير، ممن أسهموا في وضع أسس النهضة العلمية التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثةولد في بلدة رنجتون في مقاطعة سومرست الإنجليزية في 29 عامِ 1632.
الشخص والهوية نص جون لوك
" لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر."
جون لوك، مقالة في الفهم البشري، الكتاب ىى فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994 ص : 264-265 الكتاب المدرسي: في رحاب الفلسفة
قد يهمك :