المحور الاول الشخص والهوية
لا يمكن الحديث عن الشخص إلا بوصفه ذاتا واعية ومفكرة وحرة، وبوصفه ذاتا قادرة على التمييز بين الخير والشر، وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها وقراراتها، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على المستوى الأخلاقي. لكن الحديث عن تلك الذات وما يميزها ويجعلها متفردة، لا يستقيم إلا بالحديث عن هوية، أي عن تطابق الذات مع ذاتها واختلافها عن غيرها. وهنا يكون الشخص ذا هوية تجعله هو نفسه، أو لنقل تجعله هو نفس الشخص، رغم اختلاف وتعدد الوضعيات والأزمنة والأمكنة. وهنا نكون أمام إشكال فلسفي مرتبط بهوية الشخص، والذي يمكن أن نصوغه صياغة استفهامية كالآتي : ما أساس هوية الشخص ؟ وما الذي يجعله هو نفسه رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة والوضعيات ؟ هل ما يجعله نفس الشخص، هوهو، هو مادة جسمه وصورته أم أن هذا الأخير لا يكفي لتحديد أساس هوية الشخص ؟ وإذا لم يكن هو الجسم، فهل هو التفكير أم الشعور أم هو الإرادة ؟
موقف ديكارت
يؤكد ديكارت في إجابته على قضية الشخص والهوية على أن أساس هوية الشخص هو الفكر لأنه هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل الشك. فقد شك في كل شيء لكنه مع ذلك لم يستطع أن يشك في أنه يشك، وما دام الشك نوع من التفكير فقد انتهى أنه يفكر. من هنا فقد تساءل قائلا: أي شيء أنا؟ وأجاب: أنا شيء مفكر و بالتالي يكون الفكر هو الشيء الوحيد الذي يظل ثابتا و يصلح كأساس تقوم عليه الهوية الشخصية.
من هو ديكارت ؟
يعد رينيه ديكارت René Descartes مؤسسا للفلسفة الحديثة ، حيث ساهمت أطروحاته الفلسفيّة التي لا زالت تدرس في المدارس والجامعات حتى يومنا الحالي في ظهور عدد كبير من الأطروحات الغربيّة الفلسفيّة الحديثة. ولد في مدينة لاهاي أن تورين في فرنسا في شهر مارس من عام 1596 للميلاد وتوفي في شهر شباط من عام 1650 للميلاد.
الشخص والهوية نص ديكارت
أي شـيء أنا إذن؟ أنا شيء مفكر. وما الشيء المفكر؟ إنه شيء يشك، ويفهم، ويتصور، ويثبت، وينفي، ويريد، ويتخيل، ويحس أيضا. إنه ليس بالأمر اليسير أن تكون هذه كلها من خصائص طبيعتي، ولكن لمَ لا تكون من خصائصها؟
ألستُ أنا ذلك الشخص نفسه الذي يشك الآن في كل شيء تقريبا، وهو مع ذلك يفهم بعض الأشياء و يتصورها ويؤكد أنها وحدها صحيحة، وينكر سائر ما عداها، ويريد أن يعرف غيرها، ويأبى أن يُخدع ويتصور أشياء كثيرة على الرغم منه أحيانا، ويحس منها الكثير أيضا بواسـطة أعضاء الجسم؟ فهل هناك من ذلك كله شيء لا يعادل في صحته اليقين بأني موجود، حتى لو كنت نائما دائما وكان من منحني الوجود يبذل كل ما في وسعه من مهارة لتضيلي؟ وهل هنالك أيضا صفة من هذه الصفات يمكن تمييزها عن فكري أو يمكن القول بأنها منفصلة عني؟
فبديهي كل البداهة أنني أنا الذي أشـك وأنا الذي أفهم وأنا الذي أرغب، و لا حاجة إلى شيء لزيادة الإيضاح. ومن المحقق كذلك أن لدي القدرة على التخيل: لأنه على الرغم من أنه من الممكن – كما افترضت فيما سبقء أنه لا شـيء مما أتخيل بحقيقي، فإن هذه القدرة على التخيل لا تنفك أن تكون جزأ من فكري، وأنا أخيرا الشـخص عينه الذي يحس، أي الذي يُدرك أشــياء معينة بواسطة الحواس … من هنا بدأت أعرف أي شيء أنا، بقدر من الوضوح و التميز يزيد عما كنت أعرف من قبل.
: قد يهمك