تقديم لدرس مفهوم الدولة الذي يندرج ضمن مجزوءة السياسية والذي يحتوي على ثلاث محاور : المحور الأول مشروعية الدولة وغاياتها والمحور الثاني طبيعة السلطة السياسية والمحور الثالث الدولة بين الحق والعدالة .
المحور الأول : مشروعية الدولة وغاياتها
يتناول هذا المحور الأول من مفهوم الدولة الغاية المتوخاة من وراء قيام الدولة حيث سيتم التساؤل عن الهدف المنشود من تأسيس الدولة هل هو تحقيق الحرية أم تجسيد الروح ؟
غاية الدولة هي الحرية : باروخ اسبينوزا
إذا كان الإنسان قد عاش في الحالة الطبيعية حالة من الخوف والحرب والتأمل حيث كان القوي يأكل الضعيف وكان الحق حق الأقوى وكان القانون غاية فإن انتقاله من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة وبتأسيسه مؤسسة الدولة سيعم بالأمن والأمان وسيعيش حالة من الإستقرار والسلام ويتتع بكافة حقوقه الطبيعية وعلى رأسها الحق في الحرية والحق في الحياة وهذا ما يجعل من وجود الدولة وجودا مشروعا نظرا للغاية التي خلقت من أجلها وهي تحقيق الحرية . إن الدولة حسب اسبينوزا ليست الغاية منها ممارسة السيادة أو ارهاب الناس وتخويفهم كما ليس من غاياتها تحويل الكائنات العاقلة وإنما الغاية منها ضمان حرية التفكير وحرية الكلام وحرية إصدار الأحكام وصيانة جميع الحقوق الطبيعية التي من الضروري أن يتمتع بها على الجميع الخضوع لإرادة الدولة أو ما يسمى بالإرادة العامة .
دولة العقل : هيغل
إن الغاية من وراء قيام الدولة ليست هي تحرير الفرد من الخوف وضمان الإستقرار والأمن له لأن ذلك يدخل في اختصاصات مؤسسات المجتمع المادي فهذه الأخيرة هي التي تهتم بخدمة مصالح الأفراد البدائية المرتبطة بحياتهم اليومية أن الدولة حسب هيغل هي التحقق العقلي لفكرة الروح المطلق فعلى الإرادة الجوهرية وهذه الوحدة الجوهرية هي الغاية المطلقة للدولة لدى يجب التمييز بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني فالدولة هي تجسيد وتمثليل الروح المطلق لدى يجب على كل فرد الخضوع والإمتثال لها أما مؤسسات المجتمع المدني فهي في خدمة الراعية .
المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية
سيتطرق هذا المحور الثاني من مفهوم الدولة إلى مسألة الأسس والركائز التي تنبني عليها ممارسة السلطة السياسية أو بصيغة أخرى الخصائص والمميزات التي يقتصر بها ممارسة السلطة السياسية ( الأمير والسلطان ) فهل السلطة السياسية تتم بخصائص الفكر والخداع والخيانة أم تتعلق بسمات الرفق والإعتدال والتوسط .
السياسة صراع : نيكولاي ماكيافيلي
يعتبر المفكر الإيطالي ماكيافيلي السياسة مجال صراع بين الأفراد والمجتمعات أو الجماعات حول السلطة لكن الغلبة فيه لا تعود دائما للأقوى إذ يحتاج القوة دائما إلى الفكر والخديعة والخيانة . لقد ميز ماكيافيلي بين طريقتين من الإقتتال أو من الأمير أن يستخدمها مادامت الأولى غير كافية في الغالب تكون الأولى تعتمد القوانين وهي خاصة بالبشر بينما الثانية تعتمد القوة وهي خاصة بالحيوان لذا على الأخير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يتصف بالقوة كالأسد والغدر كالثعلب الذي يحتاج إلى القوة ليخيف بها الذئاب ، بالإظافة إلى هذا على الأمير أن يكون حكيما والحكمة هنا تقتضي أن لا يحفظ إلا الذي يكون في مصلحته وأن لا يفي إلا بالوعد النافع .
السياسة اعتدال : ابن خلدون
يرى عبد الرحمان ابن خلدون أن الرفق والإعتدال والتوسط في سمات وصفات السلطة السياسية فالرفق هو أساس حسن الملكة وحسن الملكة يتجلى في التوسط والإعتدال فالسلطان لا يجب أن يكون ذكيا لأن ذلك افراط في الفكر كما أن الغباوة افراط الخمود والمحدود هو التوسط لذا لا يجب على السلطان أن يكون قاهرا على رعيته لأن ذلك يسبب هلاكهم أما إذا كان رفيقا بهم ورحيما عليهم فسيحبونه ويخلصون له ومن أجله .
المحور الثالث : الدولة بين الحق والعدالة
يتمحور هذا المحور الأخير من مفهوم الدولة حول الأسس والركائز التي ترتكز عليها الدولة لذا سيتم التساؤل عن قوام الدولة هل هو العنف أم هو الحق ؟
مشروعية العنف : ماكس فيبر
يعرف فيبر السياسة بكونها قيادة لتجمع سياسي يسمى الدولة ويعرف الدولة من خلال الوسيلة الخاصة بها هي ممارسة العنف المادي المشروع فغياب العنف يعني في نهاية المطاف غياب الدولة وسيادة الفوضى لذا فكل دولة تقوم على العنف فلممارسة السلطة تلجأ السلطات السياسية إلى العنف وهذا ما يستمده على وجود علاقة وثيقة بين الدولة والعنف بالإظافة إلى المجتمع البشري والمجال الترابي تحتاج الدولة بقيامها إلى احتكار واستخدام العنف المشروع لكونه مفيدا فلا يحق لأي كان سواء أفراد أو جماعات أن يمارسوا العنف إلا إذا حصلوا على موافقة الدولة وهذه الأخيرة هي المالك الوحيد لحق استخدام العنف إنما المصدر الوحيد للحق في ممارسة العنف ويؤكد فيبر أن الدولة الديموقراطية دولة الحق والقانون واحترام الحقوق الأساسية للإنسان .
الشرعية والإجماع : عبد الله العروي
إن ما يكون قوام الدولة ليس هو الجهاز القمعي بل هو الشرعية والإجماع فالجهاز القمعي لا يستطيع وحده أن يضمن الشرعية والإستقرار في عالم تتعدد فيه النزاعات إذ لابد من امتثال ايدولوجية فهي التي تكسب الدولة والناس وإجماعهم إنما السبيل الوحيد لتصبح الدولة مشروعة بأن الدولة الحق هي التي تجعل وتجمع بين ماهو تنظيمي إداري وماهو سلوكي وأخلاقي ومن ثم فالدولة التي لا تمتلك الشرعية والإجماع لا يتحقق بها ممارسة العنف وفي حالة ممارسة يكون عنفا غير مشروع .
مفهوم الدولة مجزوءة السياسة
يتناول هذا المحور الأول من مفهوم الدولة الغاية المتوخاة من وراء قيام الدولة حيث سيتم التساؤل عن الهدف المنشود من تأسيس الدولة هل هو تحقيق الحرية أم تجسيد الروح ؟
غاية الدولة هي الحرية : باروخ اسبينوزا
إذا كان الإنسان قد عاش في الحالة الطبيعية حالة من الخوف والحرب والتأمل حيث كان القوي يأكل الضعيف وكان الحق حق الأقوى وكان القانون غاية فإن انتقاله من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة وبتأسيسه مؤسسة الدولة سيعم بالأمن والأمان وسيعيش حالة من الإستقرار والسلام ويتتع بكافة حقوقه الطبيعية وعلى رأسها الحق في الحرية والحق في الحياة وهذا ما يجعل من وجود الدولة وجودا مشروعا نظرا للغاية التي خلقت من أجلها وهي تحقيق الحرية . إن الدولة حسب اسبينوزا ليست الغاية منها ممارسة السيادة أو ارهاب الناس وتخويفهم كما ليس من غاياتها تحويل الكائنات العاقلة وإنما الغاية منها ضمان حرية التفكير وحرية الكلام وحرية إصدار الأحكام وصيانة جميع الحقوق الطبيعية التي من الضروري أن يتمتع بها على الجميع الخضوع لإرادة الدولة أو ما يسمى بالإرادة العامة .
دولة العقل : هيغل
إن الغاية من وراء قيام الدولة ليست هي تحرير الفرد من الخوف وضمان الإستقرار والأمن له لأن ذلك يدخل في اختصاصات مؤسسات المجتمع المادي فهذه الأخيرة هي التي تهتم بخدمة مصالح الأفراد البدائية المرتبطة بحياتهم اليومية أن الدولة حسب هيغل هي التحقق العقلي لفكرة الروح المطلق فعلى الإرادة الجوهرية وهذه الوحدة الجوهرية هي الغاية المطلقة للدولة لدى يجب التمييز بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني فالدولة هي تجسيد وتمثليل الروح المطلق لدى يجب على كل فرد الخضوع والإمتثال لها أما مؤسسات المجتمع المدني فهي في خدمة الراعية .
المحور الثاني : طبيعة السلطة السياسية
سيتطرق هذا المحور الثاني من مفهوم الدولة إلى مسألة الأسس والركائز التي تنبني عليها ممارسة السلطة السياسية أو بصيغة أخرى الخصائص والمميزات التي يقتصر بها ممارسة السلطة السياسية ( الأمير والسلطان ) فهل السلطة السياسية تتم بخصائص الفكر والخداع والخيانة أم تتعلق بسمات الرفق والإعتدال والتوسط .
السياسة صراع : نيكولاي ماكيافيلي
يعتبر المفكر الإيطالي ماكيافيلي السياسة مجال صراع بين الأفراد والمجتمعات أو الجماعات حول السلطة لكن الغلبة فيه لا تعود دائما للأقوى إذ يحتاج القوة دائما إلى الفكر والخديعة والخيانة . لقد ميز ماكيافيلي بين طريقتين من الإقتتال أو من الأمير أن يستخدمها مادامت الأولى غير كافية في الغالب تكون الأولى تعتمد القوانين وهي خاصة بالبشر بينما الثانية تعتمد القوة وهي خاصة بالحيوان لذا على الأخير أن يتصرف كالحيوان عليه أن يتصف بالقوة كالأسد والغدر كالثعلب الذي يحتاج إلى القوة ليخيف بها الذئاب ، بالإظافة إلى هذا على الأمير أن يكون حكيما والحكمة هنا تقتضي أن لا يحفظ إلا الذي يكون في مصلحته وأن لا يفي إلا بالوعد النافع .
السياسة اعتدال : ابن خلدون
يرى عبد الرحمان ابن خلدون أن الرفق والإعتدال والتوسط في سمات وصفات السلطة السياسية فالرفق هو أساس حسن الملكة وحسن الملكة يتجلى في التوسط والإعتدال فالسلطان لا يجب أن يكون ذكيا لأن ذلك افراط في الفكر كما أن الغباوة افراط الخمود والمحدود هو التوسط لذا لا يجب على السلطان أن يكون قاهرا على رعيته لأن ذلك يسبب هلاكهم أما إذا كان رفيقا بهم ورحيما عليهم فسيحبونه ويخلصون له ومن أجله .
المحور الثالث : الدولة بين الحق والعدالة
يتمحور هذا المحور الأخير من مفهوم الدولة حول الأسس والركائز التي ترتكز عليها الدولة لذا سيتم التساؤل عن قوام الدولة هل هو العنف أم هو الحق ؟
مشروعية العنف : ماكس فيبر
يعرف فيبر السياسة بكونها قيادة لتجمع سياسي يسمى الدولة ويعرف الدولة من خلال الوسيلة الخاصة بها هي ممارسة العنف المادي المشروع فغياب العنف يعني في نهاية المطاف غياب الدولة وسيادة الفوضى لذا فكل دولة تقوم على العنف فلممارسة السلطة تلجأ السلطات السياسية إلى العنف وهذا ما يستمده على وجود علاقة وثيقة بين الدولة والعنف بالإظافة إلى المجتمع البشري والمجال الترابي تحتاج الدولة بقيامها إلى احتكار واستخدام العنف المشروع لكونه مفيدا فلا يحق لأي كان سواء أفراد أو جماعات أن يمارسوا العنف إلا إذا حصلوا على موافقة الدولة وهذه الأخيرة هي المالك الوحيد لحق استخدام العنف إنما المصدر الوحيد للحق في ممارسة العنف ويؤكد فيبر أن الدولة الديموقراطية دولة الحق والقانون واحترام الحقوق الأساسية للإنسان .
الشرعية والإجماع : عبد الله العروي
إن ما يكون قوام الدولة ليس هو الجهاز القمعي بل هو الشرعية والإجماع فالجهاز القمعي لا يستطيع وحده أن يضمن الشرعية والإستقرار في عالم تتعدد فيه النزاعات إذ لابد من امتثال ايدولوجية فهي التي تكسب الدولة والناس وإجماعهم إنما السبيل الوحيد لتصبح الدولة مشروعة بأن الدولة الحق هي التي تجعل وتجمع بين ماهو تنظيمي إداري وماهو سلوكي وأخلاقي ومن ثم فالدولة التي لا تمتلك الشرعية والإجماع لا يتحقق بها ممارسة العنف وفي حالة ممارسة يكون عنفا غير مشروع .